هبة زووم – طنجة
لا تزال تداعيات “فضيحة سور المعكازين” في قلب مدينة طنجة تثير الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن ظهرت الساحة الشهيرة بحلة “مخيبة للآمال”، وسط انتقادات لاذعة من مواطنين ومهنيين، في الوقت الذي سارع مقربون من مجلس المدينة للخروج بتوضيحات وُصفت بأنها محاولة “لجم الغضب الشعبي”.
في هذا السياق، نقلت مصادر مقربة من مجلس المدينة أن الأشغال “لم تكتمل بعد”، مشيرة إلى أن ما يُعاينه المواطنون حاليا ليس سوى “مرحلة مؤقتة” ضمن مسلسل إعادة تهيئة الساحة.
وأوضح المصدر ذاته أن توقف الورش مؤقتاً جاء بعد منح العمال عطلة عيد الأضحى “مراعاة لظروفهم الاجتماعية”، معتبرا أن إزالة الحواجز وتنظيف الفضاء هدفت إلى “تمكين المواطنين من الاستمتاع بالمكان خلال فترة العيد”.
ورغم هذه التوضيحات، لم تمض أيام قليلة على إعادة افتتاح الساحة حتى تحولت إلى مادة دسمة للنقاش العام. فقد كانت السلطات المحلية تراهن على مشروع “سريع وناجع” يواكب الاستعدادات الكبرى التي تعرفها المدينة، خصوصا مع اقتراب استضافتها لنهائيات كأس أمم إفريقيا “الكان” ومونديال 2030، غير أن النتيجة أتت عكس التوقعات.
تسريع الوتيرة.. على حساب الجودة؟
الأشغال التي لم تستغرق سوى عشرة أيام، فُتحت على عجل قبيل العيد، لكن صور التشققات التي غزت الزليج والرخام بعد أيام قليلة فقط من انتهاء الأشغال أججت موجة غضب عارمة بين السكان والمهنيين.
مواطنون ومهندسون متخصصون وجهوا انتقادات شديدة لما وصفوه بـ”الرداءة في الإنجاز”، معتبرين أن الوتيرة السريعة للأشغال جاءت على حساب الجودة والمعايير التقنية.
وقال أحد المهندسين: “هذا النوع من الرخام والزليج يتطلب تحضيرات دقيقة وزمناً كافياً للتثبيت، وهو ما لم يُحترم في هذا المشروع”.
جمالية مثيرة للسخرية
الانتقادات لم تقتصر على التشققات فقط. فالجانب الجمالي للمشروع أثار هو الآخر موجة سخرية واسعة. فقد وُصفت النباتات التي زُرعت في الساحة بـ”الزينة المقابرية”، في تعبير شعبي عن ضعف الرؤية الجمالية والافتقار إلى لمسة تصميمية تُليق بساحة تُعد نافذة طنجة على البحر الأبيض المتوسط.
كما لاحظ المواطنون فرقاً صارخاً بين الصور الرقمية الترويجية التي روّجت لها الجهات المعنية، وبين الواقع الذي صدم الساكنة بعد رفع الحواجز.
مساءلة المال العام
في خلفية هذا الجدل، برز سؤال محوري حول الكلفة الحقيقية للمشروع، ومدى ملاءمة المواد المستخدمة. نشطاء على مواقع التواصل طالبوا بفتح تحقيق شفاف حول دفاتر التحملات وطريقة الإسناد والتنفيذ.
“لماذا تُهدر الملايين في تزيين الأرصفة التي لا تحتاج أصلاً لإصلاح، بينما أحياء بكاملها تفتقر لأبسط مقومات البنية التحتية؟” تساءل أحد المعلقين الغاضبين.
“حملة مواطنة” لرصد الأشغال
في مواجهة هذا الواقع، بادر نشطاء إلى إطلاق حملة رقمية بعنوان “الحملة المواطنة لمراقبة الأشغال الجارية بطنجة”، هدفها تتبع مشاريع التهيئة الحضرية المفتوحة، ومساءلة الجهات المسؤولة عن مظاهر الغش والتسرع.
المبادرة وجدت صدى واسعا بين المواطنين الذين باتوا يشعرون بأن المدينة تُدار بمنطق المظاهر المؤقتة بدل البناء الجاد والمستدام.
نكتة مريرة.. ورسالة مفتوحة
وسط السجال الدائر، لم تغب النبرة الساخرة. علق أحد الظرفاء: “لا ذنب على المقاول أو الشركة المكلفة بترميم سور المعكازين.. فمنبع العكز يولد العكز!”
وربما يلخص هذا التعليق الشعبي ما يعتبره الكثيرون منهجية سطحية ومكرّرة في تدبير مشاريع المدينة، حيث تغيب الرؤية الاستراتيجية لصالح “تلميع الواجهة”.
اليوم، يرفع سكان طنجة رسالة مفتوحة إلى السلطات: “نريد مشاريع تُحترم فيها معايير الجودة والشفافية، لا مشاريع تُنجز على عجل لإرضاء الأجندات السياسية أو مناسبات عابرة.”
وفي انتظار أن تُفتح صفحة جديدة في تدبير مشاريع المدينة، تبقى قصة سور المعكازين جرس إنذار بأن ثقة المواطنين أثمن بكثير من أي زليج أو رخام.

تعليقات الزوار