ملتمس الرقابة بين الحاجة إلى الجدية وسيناريو المناورة

محمد أمين وشن – الرباط
“المشاركة السياسية الحقيقية هي فعل مستمر يتطلب التزامًا مستدامًا وليس مجرد حضور شكلي”، كما قال “فلورنس هيندلر”.
في سابقة سياسية تتعلق بإحدى أرقى آليات الرقابة البرلمانية، أعلن الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بمجلس النواب، توقيفه لكل أشكال التنسيق المتعلقة بملتمس الرقابة بعد أسابيع من النقاشات والمبادرات المتعثرة مع مكونات المعارضة الأخرى.
بيان مطوّل، مليء بالإحالات الزمنية والاتهامات الضمنية، لكنه ينتهي برسالة واحدة مفادها ” قُتلت المبادرة قبل ولادتها، والمسؤولية لسنا طرفاً فيها”.
الفريق الاشتراكي، وهو أكبر مكونات المعارضة البرلمانية عددياً، أراد بحسب بلاغه تحويل ملتمس الرقابة من مجرد آلية عددية مستحيلة التحقيق إلى رافعة رمزية تُفتح من خلالها سبل النقاش العمومي حول فشل الحكومة.
وبهذا الطرح، يكون قد حاول إعطاء مضمون سياسي لملتمس يعلم الجميع أن حظوظه الدستورية معدومة، لكن أثره الرمزي يمكن أن يتجاوز نتائجه القانونية.
غير أن ما حدث فعلاً هو أن الفريق نفسه انسحب من المعركة قبل أن تبدأ ، انسحابٌ حاول البيان تبريره بانعدام الجدية لدى باقي الأطراف، وهي حجة تُعيد إنتاج الأزمة نفسها أزمة معارضة غير متماسكة، تفتقر إلى رؤية موحدة وإلى قدرة تفاوضية تتيح بلورة مواقف مشتركة حتى في الحد الأدنى.
هنا يحق لنا أن نطرح السؤال هل كان الفريق الاشتراكي فعلاً يبحث عن تمرين ديمقراطي، أم أنه استثمر في مبادرة الرقابة فقط من أجل تسجيل نقاط سياسية والعودة إلى الواجهة، ثم انسحب منها حينما انتفت الغاية؟ هل كان المقصود بناء مسار ديمقراطي حقيقي، أم مجرد تحريك الواجهة الإعلامية؟
الواضح أن ملتمس الرقابة ، كما عرضه البيان تحوّل إلى مناسبة للتراشق داخل صفوف المعارضة ، أكثر مما هو مناسبة لمحاصرة الحكومة وهذه الخلاصة المؤسفة تطرح إشكالاً جوهرياً حول معنى امعارضة اليوم، وحدود الفعل البرلماني في سياق معارضة تعجز عن توحيد الكلمة ، حتى في محطة بالغة الرمزية والوضوح.
وإذا كان الفريق الاشتراكي يقول إنه أراد تفعيل الملتمس من منطلق المسؤولية ، فإن انسحابه منه يثير بدوره علامات استفهام ، فالحياة السياسية لا تقوم على النوايا فقط، بل على القدرة على الإقناع، وتحمل التناقضات، والصبر على المسار أما أن تُفتَح المعركة ثم تُغلق بحجة أن الآخر لا يريد ، فذلك سلوك أقرب إلى المناورة منه إلى النضال الديمقراطي الجاد.
لقد ضيّعت المعارضة البرلمانية للأسف فرصة ثمينة لإعادة التعريف بأدوارها، ولبناء جبهة رقابية موحدة تعطي للسياسة معناه.. إنها لحظة حزينة للديمقراطية، لكنها كاشفة.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد